كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورويت هذه القصة أيضا عن وهب بن منبه، وقال ابن إسحاق: كان فيما بلغني عما وضع عيسى ابن مريم عليه السلام فيما جاءه من الله تعالى لأهل الإنجيل في الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اللَّهمّ من أبغضني فقد أبغض الرب، ولولا أني صنعت بحضرتكم صنائع ما كانت لكم خطيئة، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ولكن لابد أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجّانا، أي باطلا، فلو قد جاء المنحمنّا هذا الّذي أرسله الله إليكم من عند الرب وروح القدس هذا الّذي من عند الرب خرج، فهو شهيد عليّ وأنتم أيضا، لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم كي لا تشكوا. قالوا: والمنحمنّا بالسريانية محمد، وهو بالرومية البرقليطس، صلى الله عليه وسلّم.
قال ابن إسحاق: وقد ذكر لي بعض أهل العلم، أنه وجد عند حبر من أحبار يهود عهدا من كتاب إبراهيم خليل الرحمن فيه: مود مود، فقلت له: أنشدك باللَّه ما هذان الحرفان؟ قال: اللَّهمّ عمّر من ذكر محمد. وحدثني علي بن نافع الجرشيّ قال: قرأت في بيت مجرش كتابا كتبه الحبشة حين ظهروا على اليمن- وكانوا نصارى أهل كتاب-: مصلحا محمدا رشيدا أمما. وقال زياد: سيد الأمم.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعيد الثقفي، وعبد الرحمن بن عبد العزيز ابن عبد الله بن عثمان بن سهل بن حنيف، وعبد الملك بن عيسى الثقفي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلي بن كعب الثقفي، ومحمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم، كل قد حدثني من هذا الحديث طائفة، قال: قال المغيرة بن شعبة في خروجه إلى المقوقس مع بني مالك أنهم لما دخلوا على المقوقس قال لهم: كيف خلصتم إليّ ومحمد وأصحابه بيني وبينكم؟ قالوا: لصقنا بالبحر وقد خضناه على ذلك، قال: فكيف صنعتم فيما دعاكم إليه؟ قالوا: ما تبعه منا رجل واحد، قال: ولم ذاك؟ قالوا: جاءنا بدين مجدد لا يدين به الآباء ولا يدين به الملك، ونحن على ما كان عليه آباؤنا، قال: فكيف صنع قومه؟ قالوا: تبعه أحداثهم وقد لاقاه من خالفه من قومه وغيرهم من العرب في مواطن: مرة تكون عليهم الدبرة، ومرة تكون له.
قال: ألا تحدثونني وتصدقونني؟ إلى ماذا يدعو؟ قالوا: يدعو إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له، ونخلع ما كان يعبد الآباء، ويدعو إلى الصلاة والزكاة، قال: وما الصلاة والزكاة؟ ألهما وقت يعرف وعدد ينتهى إليه؟ قال: يصلون في اليوم والليلة خمس صلوات كلها لمواقيت، وعدد قد سموه له، ويؤدون من كل ما بلغ عشرين مثقالا نصف دينار، وكل إبل بلغت خمسا شاة، قال: ثم أخبروه بصدقة الأموال كلها.
قال: أفرأيتم إذا أخذها أين يضعها؟ قال: يردها على فقرائهم، ويأمر بصلة الرحم ووفاء العهد وتحريم الزّنا والرّبا والخمر، ولا يأكل ما ذبح لغير الله. قال: هو نبي مرسل إلى الناس كافة، ولو أصاب القبط والروم تبعوه، وقد أمرهم بذلك عيسى ابن مريم، وهذا الّذي تصفون منه بعثت به الأنبياء من قبله، وستكون له العاقبة حتى لا ينازعه أحد فيظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومقطع النحور، ويوشك قومه أن يدافعونه بالراح.
قال: فقلنا لو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا، قال: فأخفض رأسه وقال: أنتم في اللعب!؟ قال: كيف نسبه في قومه؟ قلنا: هو أوسطهم نسبا، قال: كذلك والمسيح، الأنبياء تبعث في نسب قومها، قال: فكيف صدق حديثه؟ قال: قلنا: ما يسمى إلا الأمين من صدقه، قال: انظروا في أمركم، أترونه يصدق فيما بينكم وبينه ويكذب على الله؟ قال: فمن اتبعه؟ قلنا: الأحداث، قال: هم والمسيح أتباع الأنبياء قبله، قال: فما فعلت يهود يثرب، فهم أهل التوراة؟ قلنا: خالفوه فأوقع بهم وسباهم وتفرقوا في كل وجه، قال: هم قوم حسّد حسدوه، أما إنهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف.
قال المغيرة: فقمنا من عنده وقد سمعنا كلاما ذللنا لمحمد صلى الله عليه وسلّم وخضعنا وقلنا:
ملوك العجم يصدقونه ويخافونه في بعد أرحامهم منه، ونحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل معه وقد جاءنا داعيا إلى منازلنا؟.
قال المغيرة: فرجعت إلى منزلنا فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صلى الله عليه وسلّم.
وكان أسقف من القبط هو رأس الكنيسة، أبى يحسر كانوا يأتونه بمرضاهم فيدعو لهم، لم أر أحدا إلا يصلي الصلوات الخمس أشدّ اجتهادا منه، فقلت: أخبرني هل بقي أحد من الأنبياء؟ قال: نعم، وهو آخر الأنبياء ليس بينه وبين عيسى ابن مريم أحد، وهو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه، وهو النبي الأمي العربيّ، اسمه أحمد.
ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، ليس بالأبيض ولا بالآدم، يعفي شعره ويلبس ما غلظ من الثياب، ويجتزئ بما لقي من الطعام، سيفه على عاتقه، ولا يبالي بمن لاقى، يباشر القتال بنفسه، ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم، هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم، يخرج من أرض القرظ، ومن حرم يأتي وإلى حرم يهاجر إلى أرض سباخ ونخل، يدين بدين إبراهيم عليه السلام.
قال المغيرة بن شعبة: زدني في صفته، قال: يأتزر على وسطه، يغسل أطرافه، ويحض بما لا يحض به الأنبياء قبله، كان النبي يبعث إلى قومه وبعث إلى الناس كافة، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى، ومن كان قبله مشدّدا عليهم، لا يصلون إلا في الكنائس والبيع، قال المغيرة: فوعيت ذلك كله من قوله وقول غيره وما سمعت من ذلك.
فذكر الواقدي حديثا طويلا في رجوعه من عند المقوقس ومجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وقال: فأسلمت ثم أخبرته صلى الله عليه وسلّم عن مخرجنا من الطائف وقدومنا الإسكندرية، وأخبرته بما قال الملك وما قال الأساقفة الّذي كنت أسائلهم وأسمع منهم ومن رؤساء القبط والروم فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأحب أن يسمعه أصحابه، فكنت أحدثهم ذلك في اليومين والثلاثة.
وخرج الحسن بن سفيان من حديث ملازم بن عمرو، حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: خرجنا وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه ومضمض منه وصبّ لنا في إداوة ثم قال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعكم وانضحوا مكانها من هذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدا، قلنا: إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف، قال: فأمدّوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا، قال: فخرجنا وتشاححنا على حمل الإداوة أينا يحملها؟ فجعلها نبي الله صلى الله عليه وسلّم بيننا نوبا، على كل رجل يوما وليلة، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا، ففعلنا الّذي أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلّم- وراهبنا يومئذ من طيِّئ- فأذّنا، فقال الراهب لما سمع الأذان: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا ثم هرب فلم ير بعد.
وللطبراني من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي قال: أخبرني الفلتان بن عاصم قال: كنا قعودا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المسجد فشخص بصره إلى رجل يمشي في المسجد فقال: أفلان، قال: لبيك يا رسول الله- ولا ينادي الكلام إلا قال برسول الله- فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: «أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا! قال: أتقرأ في التوراة؟ قال: نعم، قال: والإنجيل؟ قال: نعم، قال: والقرآن؟ قال: لا، قال: والّذي نفسي بيده لو تشاء لقرأته، قال: ثم ناشده: هل تجدني في التوراة والإنجيل؟ فقال: سأحدثك مثلك ومثل هيئتك ومخرجك، وكنا نرجو أن تكون منّا، فلما خرجت تخوفنا أن تكون هو أنت، فنظرنا فإذا ليس هو أنت! قال: فلم ذاك، قال: إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، وإنما معك نفر يسير، قال: فو الّذي نفسي بيده لأنا هو، إنهم لأمتي، وإنهم لأكثر من سبعين ألفا» وقد بشر برسول الله صلى الله عليه وسلّم كعب بن لؤيّ بن غالب كما ستراه في أخباره.
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: بينما العباس في زمزم إذ جاء كعب الأحبار فقال له العباس: ما منعك أن تسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر حتى أسلمت الآن في عهد عمر رضي الله عنهم؟ فقال: إن أبي كتب لي كتابا من التوراة ودفعه إليّ وقال: اعمل بهذا واتبعه، وأخذ علي حق الوالد على الولد أن لا أفضّ هذا الخاتم، وختم على سائر كتبه، فلما رأيت الإسلام قد ظهر ولم أر إلا خيرا قالت لي نفسي: لعل أباك غيب عليك علما، ففضضت هذا الخاتم فإذا فيه صفة محمد صلى الله عليه وسلّم وأمته، فجئت الآن وأسلمت. وقد تقدم في ذكر حلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصفحه، حديث إسلام زيد بن سعنة، وفيه: قال زيد: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد سوى آيتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
وخرّج ابن حبان من حديث أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل: قال لي حبر من أحبار الشام:
قد خرج نبي في بلدك أو هو خارج قد خرج نجمه، فارجع فصدّقه واتّبعه وآمن به.
ولأبي نعيم من حديث سلمة بن كهيل عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن دحية الكلبي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلّم إلى قيصر صاحب الروم بكتاب، فاستأذنت فقلت: استأذنوا لرسول رسول الله، فأتى قيصر فقيل: إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول الله، ففزعوا لذلك وقال: أدخلوه، فدخلت عليه وعنده بطارقته، فأعطيته الكتاب فقرئ عليه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم، فنخر ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر فقال: لا يقرأ الكتاب اليوم، لأنه بدأ بنفسه، وكتب صاحب الروم ولم يكتب ملك الروم، قال: فقرئ الكتاب حتى فرغ منه، ثم أمرهم قيصر فخرجوا من عنده ثم بعث إليّ فدخلت إليه فسألني فأخبرته، فبعث إلى الأسقف فدخل عليه وكان صاحب أمرهم يصدرون عن قوله ورأيه، فلما قرأ الكتاب قال الأسقف: هو والله الّذي بشرنا به عيسى وموسى الّذي كنا ننتظره، قال قيصر: فما تأمرني؟ قال الأسقف: أما أنا فإنّي مصدقه ومتبعه، فقال قيصر: إني أعرف أنه كذلك، ولكن لا أستطيع أن أفعل، فإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم.
وله من حديث العلاء بن الفضل بن أبي سوية بن خليفة قال: حدثني أبي عن جده أبي سوية بن خليفة- وكان خليفة مسلما- قال: سألت محمد بن عدي ابن ربيعة بن سوادة بن حبتم بن سعد فقلت كيف سماك أبوك محمدا؟ فضحك ثم قال: أخبرني- أي عدي بن ربيعة- قال: خرجت أنا وسفيان بن مجاشع ويزيد ابن ربيعة وأسامة بن مسكة نريد ابن جفنة، فلما قربنا منه نزلنا إلى شجرات وغدير فقلنا: لو اغتسلنا وادهنا ولبسنا ثيابنا من قشف السفر، فجعلنا نتحدث فأشرف علينا ديراني من قائم له فقال: إني أسمع بلغة قوم ليس بلغة أهل هذه البلاد، قلنا: نحن قوم من مضر، قال: من أي المضريين؟ قلنا: من خندف، قال: إنه سيبعث وشيكا نبي منكم فخذوا نصيبكم منه تسعدوا، قلنا: ما اسمه؟ قال محمد: فأتينا ابن جفنة فقضينا حاجتنا ثم انصرفنا، فولد لكل رجل منا ابن فسماه محمدا يدور على ذلك الاسم.
وسيأتي في التعريف لعبد المطلب ذكر اليهودي الّذي نظر في أنفه وقال له: أرى في إحدى يديك ملكا وفي أنفك نبوة، وذكر وفادته على سيف بن ذي يزن وإخباره إياه أنه يولد له ولد اسمه محمد، وبشّر بنبوته.
قال أبو بكر بن عبد الله بن الجهم عن أبيه عن جده قال: سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينما أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني ففزعت منها فزعا شديدا، فأتيت كاهنة قريش فقلت: إني رأيت الليلة وأنا نائم كأن شجرة نبتت من ظهري قد نال رأسها السماء، وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورا أزهر منها، أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا.
ورأيت العرب والعجم ساجدين لها، وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعا، ساعة تختفي وساعة تزهر.
ورأيت رهطا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخّرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها ولا أطيب منه ريحا، فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها.
فانتبهت مذعورا فزعا، فرأيت وجه الكاهنة قد تغير، ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب، يدين له الناس، فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث، والنبي صلى الله عليه وسلّم قد خرج، ويقول: كانت الشجرة أبا القاسم الأمين، فيقال له: ألا تؤمن به فيقول: السبّة والعار!.
عن الحرث بن عبد الله الأزدي قال: لما نزل أبو عبيدة اليرموك وضم إليه قواصيه وجاءتنا جموع الروم فذكر أن ماهان صاحب جيش الروم بعث رجلا من كبارهم وعظمائهم يقال له: جرجير إلى أبي عبيدة بن الجراح، فأتى أبا عبيدة فقال: إني رسول ماهان إليك، وهو عامل ملك الروم على الشام، وعلى هذه الحصون، وهو يقول لك: أرسل إلى الرجل الّذي كان قبلك أميرا، قد ذكر لي أن ذلك الرجل له عقل وله فيكم حسب، وقد سمعنا أن ذوي الأحساب أفضل عقولا من غيرهم، فنخبره بما نريد، ونسأله عما تريدون، فإن وقع بيننا وبينكم أمر لنا فيه ولكم صلاح أخذنا الحظ من ذلك وحمدنا الله عليه، وإن لم يتفق ذلك بيننا وبينكم فإن القتال من وراء ما هناك.
فدعا أبو عبيدة خالدا فأخبره بالذي جاء فيه الروميّ وقال لخالد: ألقهم فادعهم إلى الإسلام، فإن قبلوا وإلا فافرض عليهم الجزية، فإن أبوا فأعلمهم أنا سنناجزهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال: وجاءهم رسولهم الرومي عند غروب الشمس فلم يمكث إلا يسيرا حتى حضرت الصلاة فقام المسلمون يصلون، فلما قضوا صلاتهم قال خالد للرومي: قد غشينا الليل، ولكن إذا أصبحت غدوت إلى صاحبك إن شاء الله، فارجع إليه فأعلمه.
فجعل المسلمون ينتظرون الرومي أن يقوم إلى صاحبه فيرجع إليه ويخبره بما اتعدوا عليه، فأخذ الرومي لا يبرح وينظر إلى رجال من المسلمين وهم يصلون فيدعون الله ويتضرعون إليه، ثم أقبل على أبي عبيدة فقال: أيها الرجل! متى دخلتم هذا الدين ومتى دعوتم الناس إليه؟ فقال: منذ بضع وعشرين سنة، فمنا من أسلم حين أتاه الرسول، ومنا من أسلم بعد ذلك.
فقال: هل كان رسولكم أخبركم أنه يأتي من بعده رسول؟ قال: لا، ولكن أخبرنا أنه لا نبي بعده، وأخبرنا أن عيسى ابن مريم قد بشر به قومه، قال الرومي، وأنا على ذلك من الشاهدين، وأن عيسى قد بشرنا براكب الجمل، وما أظنه إلا صاحبكم، فأخبرني هل قال صاحبكم في عيسى شيئا؟ وما قولكم أنتم فيه؟.
قال أبو عبيدة: قول صاحبنا هو قول الله وهو أصدق القول وأبرّه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تُرابٍ ثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 3: 59، وقال تعالى: {يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى الله إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} 4: 171 إلى قوله: {وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} 4: 172.
قال: ففسّر له الترجمان هذا بالرومية، فقال: أشهد أن هذا صفة عيسى نفسه، وأشهد أن نبيكم صادق، وأنه الّذي بشرنا به عيسى وأنكم قوم صدق، وقال لأبي عبيدة: أدع لي رجلين من أوائل أصحابك إسلاما هما فيما ترى أفضل.
فدعا له معاذ بن جبل وسعيد بن جبير وزيد بن عمرو بن نفيل، فقيل له: هذا من أفضل المسلمين فضلا ومن أوائل المسلمين إسلاما، فقال لهم الرومي: أتضمنون لي الجنة إن أنا أسلمت وجاهدت معكم؟ قالوا: نعم، إن أنت أسلمت واستقمت ولم تغيّر حتى تموت وأنت على ذلك فإنك من أهل الجنة، قال: فإنّي أشهدكم أني من المسلمين، فأسلّم، ففرح المسلمون بإسلامه وصافحوه ودعوا له بخير.